ها هو مخرج يتعرّف على عائلة صحراوية في زعفران، على بوابة الصحراء التونسية، ويصوّر معهم مشاهد في عام 2001، ثم فجأة يحدث ما يخشاه كل مخرج: فقدان الأشرطة لأسباب مجهولة. المشروع يُلغى. سيعود لاحقًا لتصوير رحلة جميلة كهذه في عام 2008. لكن ذات يوم، أثناء ترتيبه لقبو منزله، يعثر على بعض...
Read moreها هو مخرج يتعرّف على عائلة صحراوية في زعفران، على بوابة الصحراء التونسية، ويصوّر معهم مشاهد في عام 2001، ثم فجأة يحدث ما يخشاه كل مخرج: فقدان الأشرطة لأسباب مجهولة. المشروع يُلغى. سيعود لاحقًا لتصوير رحلة جميلة كهذه في عام 2008. لكن ذات يوم، أثناء ترتيبه لقبو منزله، يعثر على بعض أشرطة الـVHS التي استخدمها في 2001 لتفريغ الكلمات. ورغم – أو ربما بسبب – مرور الزمن وضياع الصور، يعود لمشروعه ويذهب مجددًا لرؤية تلك العائلة بعد الثورة. لا تزال العائلة تعيش في التهميش، في منطقة «مُستبعدة من المشهد التونسي»… «الديمقراطية في الكلام، لا في الجيب!» فهل تغيّر شيء فعلاً؟ في زعفران، حيث الشمس تحرق كل شيء، يتوقف الزمن، رغم أن الحياة اليومية تستمر. هذا ما تلتقطه أولى مشاهد الفيلم، المستندة إلى صور 2001: نساء يحضّرن الطعام، يتحدثن ويضحكن معًا، يستمعن لقصيدة عجوز، يخطن، يرعين الغنم، ينسجن الصوف، يعملن في الحقول… لا راحة، نشاط دائم، يقمن بأدوارهن كما في كل مكان… الفقر ظاهر بوضوح. الرجال يذهبون إلى سوق الأغنام… لا موسيقى مرافقة: فقط أصوات الواقع تملأ المشاهد حتى يؤذن المؤذن لصلاة المغرب. بلا تعليق، يعرض الفيلم الواقع الخام، بلا قصة أو حبكة. الشيوخ، الوضوء، العمل في الحقول… نظرة غربال مليئة بالتعاطف والحنان. لا يركّز على فرد واحد، بل على العائلة بأكملها. لا شيء استثنائياً، لكن التحضير يبدأ للرحيل التقليدي نحو الصحراء، الجمال والعربات المحمّلة، الليل تحت الخيام، غناء النساء، شعرهن يتطاير مع الريح. يُؤكل الخبز مغموساً في الزيت. الأطفال يركضون في كل الاتجاهات، يكرّرون نفس الحركات البسيطة، بلا أي تصنّع. «جدي، هل صحيح أن من طلب المغفرة ولم يُغفر له هو الرابح؟» هناك، في فجوة من الصحراء، حيث النساء يخبزن على النار مباشرة، يتحدثن للكاميرا عن نضالهن ضد النظام الأبوي. «في أماكن أخرى، البنات والأولاد سواسية»... إحداهن درست الخياطة وحصلت على عمل، لكن العائلة رفضت أن تذهب وحدها. تريد فتح ورشة خياطة. وأخرى ترفض انتظار حبيبها حتى يتزوج في أوروبا ويعود ليبدأ المشروع. وثالثة تحلم بأن تصبح مهندسة معمارية: «حتى تفتخر بي عائلتي، وكل التونسيين»! أصبحت هذه العائلة الكثيرة الأفراد وكأنها شخصية مألوفة. ربما بسبب حساسية المخرج واحترامه للمسافة الصحيحة مع موضوعه: مشارك من جهة، ومراقب من جهة أخرى، ينصت، وعيناه مفتوحتان. وأيضًا لأن الزمن صار حاضراً: صور الماضي، بتلك الجودة الرديئة لأشرطة الـVHS، صارت مادة أرشيفية. الجد لا يؤمن بالتقدم، لكنه لا يعارض حديث النساء. بعد 12 عامًا، وبعد عامين من الثورة، لم يعد موجودًا، لكن مخرج فاطمة يكتشف شيئًا مروّعًا: الصورة أصبحت ممنوعة. لم يعد مسموحًا تصوير النساء، ولا واحدة منهن حقّقت حلمها. لكن، أليس الوطن يُبنى تحت أقدام النساء؟