هناك صنّاع أفلام نادرون يضعون أفلامهم كحجارة لمس. خالد الغرّبال واحد من هؤلاء. هذا المخرج الفرنسي-التونسي بدأ كممثل قبل أن يدير فرقة مسرحية في تونس. ثم توجه إلى السينما في فرنسا حيث أشرف لمدة عشر سنوات على قاعات سينما "الفن والتجريب". فيلمه القصير الأول، "المختار"، 1996، يعكس قلقه من التطرف من خلال قصة خيالية حادة. أما فيلمه الطويل الأول، "فاطمة"، 2002، فقد فضح النفاق الذي يقيّد وضع المرأة في تونس. بطلة الفيلم، التي تعرضت لانتهاك في طفولتها، تعيد النظر في علاقتها الزوجية بعد أن تعترف بأنها أجرت عملية لاستعادة العذرية. الموضوع كان صادماً، لكن أسلوب الفيلم الرصين هدّأ من وطأته. ثم أنجز خالد الغرّبال فيلم "رحلة جميلة جدًا" في 2008.
الموضوع بسيط في ظاهره، ويتوزع بين زمنين وقارتين. نكتشف "محمد" في باريس، عامل تونسي متقاعد يعيش في نُزل للعمال بضواحي المدينة. هادئ، متعب، أصبح "مومو" صديقًا لجارين أفارقة. لم يعد يرى المرأة الإسبانية التي حاول العيش معها منذ سنوات. يمضي يومه بين التسوق، الرسم، والتجوال على ضفاف السين. وعندما يُجبر على مغادرة غرفته، وينصحه طبيبه بالذهاب إلى شمس تونس للتعامل مع مرضه، يقرر العودة. وهكذا يبدأ رحلة وجودية تقوده إلى عائلته ثم إلى الصحراء.
"رحلة جميلة جدًا" هو بورتريه لمغاربي في المنفى يعود إلى ذاته. يقول خالد الغرّبال: "هو يعيش بكرامة قدر الإمكان. متواضع، لكنه واعٍ وفخور أيضًا، ويدرك أنه في حالة عدم انسجام". "منفي في فرنسا، البلد الذي يحب، يشعر أيضًا بالغربة في تونس، وطنه الأصلي، الذي تركه منذ زمن، والآن منفي في جسده الذي أنهكه الزمن". ومن خلال مرافقة هذه الرحلة الطويلة، يقترب المخرج من مشاعر بطله. يقول: "لكي أستعرض مسار هذا الرجل، ولكي أرسم وحدته، اخترت أن أعيش إيقاعه الداخلي، لأكون في مستوى مصيره"، ويبقي الكاميرا مركّزة على الشخصية، في لقطات قريبة أو واسعة.
شخصية "مومو" جسّدها بشكل مؤثر الممثل فريد شوبيل، الذي توفي بعد التصوير. من الصعب التعرف على الكوميدي النحيف الذي عُرف بعروضه الساخرة في فرنسا، في هذا الرجل المُسن. الممثل ذو الأصول الجزائرية لم يكن معروفًا بالتعبير الدقيق، خاصة في أدواره الكوميدية مثل "انتقام الأفعى ذات الريش" (1984) أو "أكياس العقد" (1985). وبعد ابتعاده عن الشاشة لأسباب صحية، عاد هنا بأداء يشبه أغنية الوداع. يكشف المخرج: "مع تقدم التصوير، خصوصاً في الجزء الثاني في تونس، بدأ ينعزل تدريجيًا، وكأنه اندمج مع شخصية مومو، الذي كان يبتعد أكثر فأكثر عن الحياة".
هذا الانسجام بين الممثل والدور أضفى على الفيلم عمقًا في تناوله للفراغ والفقد. جودة الصورة، التي أشرف عليها جاك بيس، مصوّر أفلام عبد الرحمن سيساكو، أبرزت حيوية المدن وعمق الصحراء. موسيقى الجاز التي ألّفها ميدريك كوليون عكست الأفراح والمرارات على طول الطريق. "رحلة جميلة جدًا" يسير بوتيرة بطيئة وحتمية. رغم بعض المشاهد الزائدة والنهاية التي قد تكون مبالغة، فإنه يأخذ المشاهدين المستعدين نحو مناطق من الانكسار، مفتوحة على آفاق إنسانية شاملة. وكما يقول المخرج: "رحلة جميلة جدًا ليست فقط حكاية عادية لعامل مهاجر، بل حكاية رمزية عن المنفى والوحدة، وتحية لأولئك الذين يعيشون "بجانب" بيوتهم، وغالبًا بجانب أنفسهم، في عدم انسجام".